هل على هذه الارض ما يستحق الحياة ؟

من طرف **هقاوي** الإثنين أكتوبر 01, 2007 6:45 am

كان ناظم حكمت يقول: «أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد» وهذا مديح للمستقبل يتضمن في داخله دعوة للصبر على مرارات الزمن المعاش، ومقابل الشاعر التركي تقول الموشحة العربية:

«جادك الغيث اذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس»

وهي تعلن عن الحنين الى ماض نبيل خسرناه وقد لا يعود. وبين مديح المستقبل، والحنين الى الماضي وهو يشمل الكتب والافكار التي تمجد التاريخ القومي، يقف الزمن الحاضر مهلهلا ضعيفا تنوشه الكلمات والنضال.

لا اعني هنا ايامنا الحاضرة وحدها وهي لا تنجو من الذم واللعنات ـ بل كل يوم من السيرورة الانسانية. واذ سوف تلقى في كل زمن من يلعن ايامه، ومن النادر ان تجد من يلعن الماضي او يشتم المستقبل فمنذ زمن الفراعنة سجل لنا برستد في كتابه الجميل (فجر الضمير) نصا لشخص سماه ايوب المصري (ويبدو ان هذا الرجل قد لاقى الاهوال) قال فيها: الى من اتحدث اليوم؟ ان الاخوان اشرار وأصدقاء اليوم لا يستحقون الحب، ان القلوب قلوب لصوص، وكل شخص ينهب جاره، الى من اتحدث اليوم؟،

ولم تعد هناك فضيلة، والأرض يرثها اصحاب الرذائل!، وفي زمن اليونان كتب هوميروس (الالياذة) و(الاوديسة) من اجل احياء الماضي البطولي للاغريق. لكن هيسيودوس كتب ازاءه (الأعمال والأيام) صور فيها الحاضر المضني غير الواعد بأية مكافأة، وقال ان البشرية تسير من سيء الى أسوأ فقال (السلالة التي توجد الآن هي حقا سلالة حديدية ولا راحة لاحد فيها من الاسى والارهاق نهارا والهلاك ليلا...» وفي الزمن الاموي قال ابن الحجاج:

عجبت من الزمان وأي شيء

عجيب لا أراه من الزمان

يصادر قوت جرذان عجاف

فيجعله لأوعال سمان

لكن العجب العجاب يأتي من ناحية الشاعر المتنبي. وقد ذم زمنه وأهل زمنه صراحة بشعر مليء بالمرارة مثل قوله:

أذم الى هذا الزمن أهبله

فأعلمهم فدم وأحزمهم وغد

وأكرمهم كلب وأبصرهم عم

وأسهدهم فهد وأشجعهم قرد

ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى

عدوا له مامن صداقته بد

وقال:

هو الزمان مشت بالذي جمعا

في كل يوم ترى من صرفه بدعا

وقال شاعر آخر هو أسعد بن مسعود العتبي:

واغسل يديك من الزمان وأهله

بالطين والصابون والاشنان

ولقي كاتب ومؤرخ عربي هو ابو هلال العسكري الكثير من المصاعب في حياته وعانى طوال عمره من الفقر والحاجة، وهو مؤلف كتاب ديوان المعاني وسر الصناعتين، وجمهرة الامثال، ومعاني الادب، وكتاب الاوائل...الخ لكن كل ذلك لم ينقذه من الفقر في الوقت الذي رفض فيه ان يسلك سبل الارتزاق بالوسائل غير الشريفة لكنه لم يستطع ان ينسى ضنكه وحاجته فقال:

اذا كان مالي مال من يلقط العجم

وحالي فيكم حال من حاك او حجم

فأين انتفاعي بالأصالة والحجا

وماربحت كفي على العلم والحكم

ومن ذا الذي في الناس يبصر حالتي

فلا يلعن القرطاس والحبر والقلم

ثم تفاقمت احقاده على زمنه فقال:

جلوسي في سوق أبيع وأشتري

دليل على ان الانام قرود ولا خير في قوم تذل كرامهم

ويعظم فيهم نذلهم ويسود

وتهجوهم عني رثاثة كسوتي

هجاء قبيحا ما عليه مزيد

وهل تصدقون ان ابن سينا شكى زمنه وبكى من مرارته وقسوته؟! فقال: أشكو الى الله الزمان فصرفه

أبلى حديد قواي وهو جديد

محن إلي توجهت فكأنني

قد صرت مغناطيس وهي حديد

وفي القرن التاسع عشر كتب فلوبير روايته (التربية العاطفية) ليشن حربا على عصره وسلط الاضواء على الفوضى وانعدام الامان في الالية الاجتماعية، وقدرتها على افساد اي معارضة مثالية لها. ويقول (شورسكه) في كتابه (فيينا أواخر القرن التاسع عشر) ان الروائي النمساوي (ستيفتر) كتب رواية سماها (أواخر الصيف) اراد بها ان يعارض بالقوة الاخلاقية الانحدار المزري لعصره. وقال المسرحي الشهير (هنريك إبسن): عصري يصيبني بالتقزز.

اما شاعرنا ادونيس فقال: «تقدموا فقراء الارض، غطوا هذا الزمان بأسمال ودمع. غطوه بالجسد الباحث عن دفئه» وقريب منه نزيه ابو عفش الذي كتب «أقف وأقول في زماني: زمانك الفاجر المدبب. خلاصة نظريات التدمير، وتعويم العملات الكريهة، زمان العاطلين عن الحياة» وبين الشاعرين شاعر آخر هو صلاح عبدالصبور الذي قال: «في اي الايام نعيش، هذا يوم تافه، هذا يوم كاذب، قابلنا فيه بضعة اخبار اشتات لقطاء، فأعناه، هذا يوم خوان، هذا يوم بعناه للموت، بحياة زائفة صلدة».

والآن من يستطيع ان يحزر الحق مع هؤلاء ام مع فريد الاطرش الذي غنى «الحياة حلوة، بس نفهمها» والمشكلة لا تزال قائمة ولكن محمود درويش يقول على هذه الارض ما يستحق الحياة. فاذهب اليه لتعرف عما يتحدث.

الارض لله نمشي في مناكبها
والله قدر لنا ارزاق واجالى